الأردن: 19 مهنة تغلق أبوابها بوجه فلسطيني “الجوازات المؤقتة”

gaza-jo

عمّان ــ محمد الفضيلات

من دون سابق إنذار، وجد حمَلة جوازات السفر الأردنيّة المؤقتة وأبناء قطاع غزّة اللاجئين في الأردن، أنفسهم في مصاف العمالة الوافدة. وبعدما كانت “سياسة التغاضي” تُعتمَد مع هؤلاء، تغيّر الوضع ليجد كثيرون أنفسهم عاطلين من العمل.

بعد عشر سنوات من عملها في مدرسة خاصة، أُجبرت المعلمة، شيرين عودة، على تقديم استقالتها. القوانين الأردنيّة تمنع الفلسطينيين من حملة الجوازات المؤقتة ومن أبناء قطاع غزّة المقيمين منذ عقود في الأردن، من العمل في مجال التعليم الحكومي أو الخاص. ويأتي التدريس من بين 19 مهنة لا تتيحها وزارة العمل، منذ سنوات، أمام العمالة الوافدة.

بين ليلة وضحاها، تُحوّل قضيةُ حملة الجوازات المؤقتة وأبناء غزّة اللاجئين في الأردن إلى عمالة وافدة، حين ألزم قرار صدر عن رئاسة الوزراء في يناير/ كانون الثاني الماضي، الراغبين منهم في العمل بالحصول على تصاريح. وذلك في إطار تغيّر عميق في السياسة التي حكمت التعامل معهم منذ نحو خمسين عاماً وفي انتهاك صريح لقرارات عربية واتفاقيات دولية.

المدرّسة عودة من ضحايا قرار إصدار تصاريح العمل لحملة الجوازات المؤقتة وأبناء غزّة، تقول: “لم توافق المدرسة على منحي تصريح عمل لأنّ التعليم في المدارس الخاصة من المهن غير المتاحة أمام العمالة الوافدة. خلال السنوات العشر الماضية التي عملت فيها، كانت المهنة غير متاحة أمام العمالة الوافدة كذلك. لكنّني كنت أعمل بعد حصولي على موافقة أمنية تفيد أنه لا مانع من عملي. أمّا اليوم، فقد تغيّر الحال وطُلب منّي الحصول على تصريح عمل إذ إنّني لست أردنية. لكن لم أحصل على التصريح، إذ إنّ التعليم من المهن المغلقة”. وبعدما خسرت المدرّسة الغزيّة وظيفتها، خسرت أسرتها مصدر دخلها الوحيد، “إذ والدي متوفّ ولا أعرف كيف نعيش مستقبلاً”.

800 متضرّر

تقدّر “لجنة متابعة قضايا ومطالب أبناء قطاع غزّة” عدد المتضرّرين من التراجع عن “سياسة التغاضي” التي كانت مطبّقة على المدرّسين في المؤسسات التربوية الخاصة من حملة الجوازات المؤقتة وأبناء قطاع غزّة، بنحو 800 مدرّس ومدرّسة يخسرون وظائفهم. وتتخوّف اللجنة بحسب ما يقول أمين سرّها، جميل أبو العسل، من أن “يكون رفع سياسة التغاضي عن قطاع التعليم الخاص مقدّمة لرفعها عن جميع القطاعات التي تشملها المهن المغلقة أمام العمالة الوافدة. وهو أمر من شأنه أن يلحق ضرراً بآلاف المدرّسين”.

تفيد أحدث إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أنّ نحو 158 ألفاً من أبناء قطاع غزّة، يعيشون في الأردن ويقيمون بغالبيتهم في مخيّم غزّة (شمال) ويحملون كذلك بغالبيتهم جوازات سفر أردنية مؤقتة. ويستغرب أبو العسل التغيّر الرسمي المفاجئ في التعامل معهم، والذي يتزامن مع رفع وتيرة مطالبهم بالحصول على حقوق مدنية كاملة لا تؤثّر على جوهر هويّتهم الوطنية الفلسطينية ولا تمثل مقدّمة لتجنيسهم أو اكتسابهم حقوقاً سياسية. ويؤكد أنّ “ما نريده هو حقوق تكفل لنا العيش بكرامة”. يضيف: “نحن نعيش في الأردن منذ نكسة يونيو/ حزيران 1967، وننظر إلى أنفسنا على أنّنا أردنيون في حرصنا على أمن البلد واستقراره، من دون أن نتجاهل هويّتنا الفلسطينية. لكنّنا في النهاية نُعامل ليس كلاجئين، بل أقلّ من عمالة وافدة ونُحرم من أبسط حقوق الإنسان”.

وتفرض القوانين الأردنية قيوداً على حملة الجوازات المؤقتة وأبناء قطاع غزّة، تصل إلى حدّ حرمانهم من الحقّ في التملك والعمل والعلاج والدراسة والانتساب إلى النقابات المهنية، الأمر الذي يؤدّي إلى ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة بينهم، بحسب ما يبيّن تقرير أصدره “مركز الفينيق للدارسات الاقتصادية والمعلوماتية” في عام 2013 تحت عنوان ” ظروف عمل الفلسطينيين في الأردن”.

مزاجيّة في التطبيق

وفي حين تناضل “لجنة متابعة قضايا ومطالب أبناء قطاع غزّة” من أجل تعديل القوانين التي تميّز ضدّ حملة الجوازات المؤقتة وأبناء قطاع غزّة، فإنّ جهودها تصطدم بآراء أردنية تذهب إلى الترويج أنّ الحقوق المدنية مقدّمة للتجنيس.

في هذا السياق، يقول مدير مركز الفينيق، أحمد عوض، إنّ “حل مشكلة حملة الجوازات المؤقتة وأبناء قطاع غزّة يكمن في الخروج من المزاجية في تطبيق القرارات والتعليمات عليهم”، وذلك في “النصّ صراحة على استثنائهم من تعليمات تشغيل العمالة الوافدة في قانون العمل”. وعوض الذي عمل سابقاً مديراً لمخيّم غزّة، يشير إلى “مزاجية حكمت التعامل مع حملة الجوازات المؤقتة وأبناء قطاع غزّة. في فترات سابقة، سمح لهم بالعمل في وظائف حكومية على الرغم من أنّها ممنوعة عليهم، وذلك لتعويض النقص الحاصل في تلك الوظائف. لكنّهم منعوا من ذلك لاحقاً. وفي فترات أخرى، سمح لهم بالتملك ليمنعوا من ذلك في ما بعد. وفي بعض الأحيان، كان يسمح لهم بتلقي العلاج والدراسة في المؤسسات الحكومية، لكنّهم كانوا يُمنعون من ذلك في أحيان أخرى”.

ويشدّد عوض على أنّ “التعامل الأردني معهم يمثّل انتهاكاً لقرار جامعة الدول العربية الصادر في عام 1983 والذي يؤكد على معاملة الفلسطينيين في العمل والتنقل والإقامة معاملة مواطني الدولة التي يحملون وثائقها. كذلك يُعدّ مخالفة للعهدَين الدوليَين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللذَين صادق عليهما الأردن في عام 2006 ويساويان اللاجئين بالمواطنين في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.

أضف تعليق